السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظك الله ورعاك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ...
عندي هذه المجموعة من الأسئلة التي أنا بحاجة إلى أجوبتها راجيا من الله العلي القدير أن يعينكم على جوابها
قرأت في أجوبتك بأن أبوبكر قد زنا ؟ وأن عمر لم يقم الحد على المغيرة بن شعبة؟ فهلا أخبرتمونا بقصة كلا الأمرين ومن الكتب المعتمدة عند العامة؟
الجواب :
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الصديقة البتول فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، جعلنا الله وإياكم من الثائرين لها مع ولدها المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.
أما الأمر الأول فلسنا ندري أية حادثة تقصد إذ لم يقع نظرنا عليها، وأما الأمر الثاني فإجماله أن عمر بن الخطاب كان قد ولّى المغيرة بن شعبة البصرة، وكان المغيرة يتردد على بيوت الزواني يوميا، وكان إحداها مقابلا لبيت أبي بكرة الصحابي، وكان للبيتين مشربتان متقابلتان وفي كل واحدة منهما كوة تواجه الأخرى، فاجتمع ذات يوم نفر إلى أبي بكرة يتحدثون في مشربته، فهبّت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليغلقه وإذا به يرى المغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربة ذلك البيت أيضا وهو بين رجلي امرأة حال الجماع! فقال للنفر الذين عنده: ”قوموا فانظروا“ فقاموا فنظروا وتأكدوا من فعل المغيرة. ثم قال لهم: ”اشهدوا“ فسألوه: من هذه؟ فقال: أم جميل ابنة الأفقم، وكانت أم جميل هذه زانية معروفة تغشى الأمراء والولاة ويغشونها، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: ”لا تصل بنا“ وكتب إلى عمر يبلغه بالحادثة.
فأرسل عمر أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود الذين كانوا حاضرين عند أبي بكرة، وهم بالإضافة إليه شبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه، فلما وصلوا المدينة استدعاهم عمر إلى مجلس الحكم وسأل أبا بكرة: ”كيف رأيته“؟ فقال: ”إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة“ فتغيّر وجه عمر واضطرب لأنه لا يريد إقامة الحد على صاحبه المغيرة ورجمه، ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك, ولمّا جاءت النوبة إلى زياد ليشهد علم بأن عمر يكره رجم المغيرة، خاصة أن عمر عندما استدعاه قال له: ”أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله“! وهي عبارة تُظهر الانزعاج الواضح من عمر لشهادة الشهود الثلاثة على المغيرة بالزنا، ولم تبقَ أية فرصة لإنقاذ المغيرة من الموت المحقق سوى شهادة الشاهد الرابع وهو زياد، فتفطّن زياد إلى ذلك فقال في شهادته: ”رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا“! فقال عمر: ”هل رأيت الميل في المكحلة“؟ قال: ”لا“! فقال عمر: ”الله أكبر“! وأنقذ المغيرة من الرجم ثم إنه أمر بالشهود الثلاثة فجُلدوا! فلما جلدوا أبا بكرة قال: ”أشهد أنّ المغيرة زان“! فقال عمر: ”حدّوه“ أي أقيموا عليه الحد ثانية. وعندها تدخّل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وقال لعمر: ”إن جعلتها شهادة فارجم صاحبك“ فامتنعوا عن ذلك! (راجع تاريخ الطبري ج3 ص170 والبداية والنهاية لابن كثير ج7 ص94 والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج14 ص328 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص455 ومصادر عديدة أخرى).
وهكذا ترى كيف أن عمر (عليه لعائن الله) يتلاعب بالحدود الشرعية ويعفو عن المذنب ويعاقب البريء وهو مع هذا عند القوم ”الحاكم العادل“ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! إنه خزي ليس أعظم منه خزي!
رزقكم الله وإيانا حسن العاقبة. والسلام. 20 من شهر ربيع الآخر لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.