ما هو معنى الروايات في أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا؟
( القسم : شبهات )
السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مولاي الشيخ ياسر الحبيب
ماهو تعليقكم على ما يدعيه النواصب أن هناك رواية في الكافي .. مفادها أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا في الجزء الأول صفحة 32
ويقولون ان العلامة المجلسي صححها
والخميني يقول كل رجال الحديث ثقات
ما هو ردكم سددكم الله
علي
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جواب الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدة الأكوان الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها. جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأرها مع مولانا المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم وعجل الله فرجهم.
هما روايتان في الكافي في هذا المعنى، إحداهما في باب صفة العلم وفضله عن أبي البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». (الكافي الشريف للكليني ج1 ص32)
والأخرى في باب ثواب العالم والمتعلم عن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مَن سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر». (الكافي الشريف للكليني ج1 ص34)
وهؤلاء النواصب الحمقى لاذوا بهاتين الروايتين لتصحيح الحديث الذي وضعه سيدهم أبو بكر (لعنه الله) على المصطفى (صلى الله عليه وآله) من أن معاشر الأنبياء لا يورّثون، ولتصحيح جرمه في حرمان البضعة الطاهرة (صلوات الله عليها) من ملكها الشرعي لفدك وغيرها. مع أن مفاد الروايتين الشريفتين مغاير لمفاد حديث أبي بكر الموضوع، إذ ليس في الروايتين قوله: «إن الأنبياء لا يورثون درهماً ولا ديناراً» حتى يصح ما وضعه أبو بكر، وإنما الذي فيهما قوله عليه السلام: «إن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً».
والفرق بين العبارتيْن واضح لغير العميان الذين يجهلون حتى مدلولات اللغة! لأن مفاد (لا) غير مفاد (لم)، ولو أنه قال: «إن الأنبياء لا يورثون درهماً ولا ديناراً» لكان ذلك ينفعهم لأنه يكون ظاهراً في الإنشاء الحكمي، بمعنى أن الأنبياء لا يمكن أن يورّثوا درهماً ولا ديناراً، تماماً كما جاء في رواية أبي بكر الموضوعة التي فيها حرف (لا) في قوله: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث». لكنه (عليه السلام) لم يقل ذلك، بل قال: «إن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً» وبهذا يكون في مقام الإخبار، بمعنى أنه يخبر عن سيرة الأنبياء (عليهم السلام) أنهم لم يكنزوا الأموال كما يفعل الناس فلم يورّثوا شيئاً منها يعتد به، وإنما كان ما ورّثوه هو العلم، وبهذا الاعتبار يكون العلماء ورثة لهم لأنهم أخذوا بميراثهم منهم.
وليس معنى كلامه (عليه السلام) نفي حكم أن الأنبياء (عليهم السلام) يورثون غير المال، كيف والإجماع قائم على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورّث سيفه ودرعه وقضيبه وبردته وعمامته وثيابه، وقد تسلّمها أمير المؤمنين عليه السلام، وهي كما ترى ليست من (العلم) في شيء! كما أن سليمان ورث من أبيه داود (عليهما السلام) كل ما كان تحت سلطانه في مملكته من أراضٍ ودور بل وأموال. نعم؛ لم يكن كل ذلك مما كنزه داود (عليه السلام) لأجل الثراء، إنما كان تحت يده ليستعين به في إقامة حكم الله تعالى في الأرض، ومن هنا ورثه خليفته الشرعي سليمان (عليه السلام) مصداقاً لقوله تعالى: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ»، وهكذا كان ما تحت يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فدك وغيرها، إنما كان يستعين به في إقامة حكم الله تعالى في الأرض، فينتقل تالياً إلى خلفائه الشرعيين من أهل بيته (صلوات الله عليهم) ليستعينوا به في إقامة حكم الله تعالى في الأرض.
ثم إن فدك والعوالي كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أنحلها وأقبضها ابنته الزهراء (صلوات الله عليها) في حياته، فتكون مالكة لها، فعلى فرض أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يجوز أن يورَث كما زعم أبو بكر وأتباعه (لعنهم الله) فإن فدك والعوالي ملك خاص للزهراء (عليها السلام) لا يجوز انتزاعه منها، مع قطع النظر عن دعوى الإرث. وذلك كما يروي أهل الخلاف أن النبي (صلى الله عليه وآله) أقطع الزبير وبلال وغيرهما أراضي في حياته، ولم يأت أبو بكر (لعنه الله) ليسلبها منهم، إلا الزهراء أرواحنا فداها! مع أن إقطاع النبي (صلى الله عليه وآله) إياها أرض فدك ثابت حتى في مصادر أهل الخلاف، فقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: «لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدكاً». (تفسير السيوطي ج5 ص273 عن ابن مردويه) وأخرج البزار عن أبي سعيد قال: «لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك». (تفسير ابن كثير ج3 ص39 عن البزار)
والحاصل؛ أن الروايتين في الكافي الشريف لا تنفعان أهل الخلاف في تصحيح أكذوبة أبي بكر على النبي (صلى الله عليه وآله) لأنهما لا تنفيان الحكم، وإنما تخبران عن السيرة وتنفيان اهتمام الأنبياء (عليهم السلام) بكنز الأموال لتوريثها أبناءهم، ولا تنفيان انتقال ما كان تحت أيديهم إلى خلفائهم الشرعيين، كما لا تنفيان انتقال غير العلم من الدور والأراضي والحبوة وغيرها لورثتهم على حكم الشريعة في الإرث.
ومتى ما نضجت عقول أهل النصب والخلاف ففرّقوا بين (لا) و(لم) كان لنا أن نرتجي هدايتهم!
وفقنا الله وإياكم لنصرة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين، والسلام. الرابع من جمادى الأولى لسنة إحدى وثلاثين وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية الشريفة.